الخليفة هارون الرشيد
 الخليفة المجاهد هارون الرشيد ذلك الرجل الذي حاول أعداء تاريخنا أن يصوروه بصورة شارب الخمر الماجن، صاحب الجواري الحسان والليالي الحمراء ، مع أنه كان من أعظم خلفاء الدولة العباسية جهادًا وغزوًا واهتمامًا بالعلم والعلماء

خلافته 
تولى هارون الرشيد الخلافة بعهد معقود له بعد الهادي من أبيهما المهدي وذلك في ليلة السبت السادس عشر من ربيع الأول سنة سبعين ومائة بعد الهادي حتى جمادى الآخرة سنة أربع وتسعين بعد المائة الهجرية، وكان عمره آنذاك 25 سنة.، وكان يكنى بـ أبي موسى فتكنى بأبي جعفر.


عبادته وصلاحه
حكى بعض أصحابه أنه كان يصلي في كل يوم مئة ركعة إلى أن فارق الدنيا، إلا أن يعرض له علة، وكان يتصدق في كل يوم من صلب ماله بألف درهم، وكان إذا حج أحج معه مئة من الفقهاء وأبنائهم، وإذا لم يحج أحج في كل سنة ثلاثمائة رجل بالنفقة السابغة والكسوة الظاهرة".

كان الرشيد يحب العلماء ويعظم حرمات الدين ويبغض الجدال والكلام، وقال القاضي الفاضل في بعض رسائله ما أعلم أن لملك رحلة قط في طلب العلم إلا للرشيد فإنه رحل بولديه الأمين والمأمون لسماع الموطأ على مالك رحمه الله.

الرخاء في عهد الرشيد
كان هارون الرشيد ينظر إلى السحابة المارة ويقول: (أمطري حيث شئت؛ فسيأتيني خراجك بإذن الله). وقد بلغت إيرادات الدولة العباسية في عهده (70 مليون و150 ألف دينار)، وقد زادت في عصر المأمون عن ذلك بكثير.


من امير المؤمنين هارون الرشيد الى نقفور كلب الروم
في سنة سبع وثمانين ومائة جاء للرشيد كتاب من ملك الروم نقفور بنقض الهدنة التي كانت عقدت بين المسلمين وبين الملكة ريني ملكة الروم وصورة الكتاب [من نقفور ملك الروم إلى هارون ملك العرب أما بعد فإن الملكة التي كانت قبلي أقامتك مقام الرخ وأقامت نفسها مقام البيذق فحملت إليك من أموالها ما كنت حقيقاً بحمل أضعافه إليها، وذلك لضعف النساء وحمقهن فإذا قرأت كتابي فاردد ما حصل قبلك من أموالها وإلا فالسيف بيننا وبينك] فلما قرأ الرشيد الكتاب استشاط غضبا حتى ما تمكن أحد أن ينظر إلى وجهه فضلاً أن يخاطبه وتفرق جلساؤه من الخوف واستعجم الرأي على الوزير فدعا الرشيد بدواة وكتب على ظهر كتابه بسم الله الرحمن الرحيم من هارون أمير المؤمنين إلى نقفور كلب الروم قد قرأت كتابك يا ابن الكافرة والجواب ما تراه لا ما تسمعه ثم سار ليومه فلم يزل حتى نزل مدينة هرقل وكانت غزوة مشهورة وفتحا مبينا فطلب نقفور الموادعة والتزم بخراج يحمله كل سنة.

ازمة البرامكة

الحقيقة في هذه المسألة غير أكيدة واختلف فيها المؤرخون، والأرجح أن هذه الأسرة الفاضلة قد بلغت من العز مبلغًا عظيمًا.. وهناك دائمًا الحاقدون وأصحاب القلوب المريضة الذين لا يحبون أن يروا الأمة مجتمعة إلى حين، ويغيظهم أن يصل غيرهم إلى تلك المنازل بجهد وبذل وتضحية وهم متفرجون، فيلجئون إلى الوشاية والوقيعة بحيلة ومكر.. لقد تغير قلب الرشيد تجاههم بفعل فاعل.
ولعل أرجح ما قيل في ذلك ما ذكره بعض المؤرخين أن سبب ذلك قيام جعفر بن يحيى بتهريب يحي بن عبد الله بن الحسن من سجن الرشيد سرًّا؛ لأنه تعاطف معه لأنه من نسل آل البيت. وقد اتهم البرامكة بالتشيع من قبل بعض المؤرخين، وبلغ الخبر الفضل بن الربيع من عين كانت له حيث كان يتحين فرصة يؤلب بها الرشيد على البرامكة، فأخبر الرشيد فقال له الرشيد: (ما لك وهذا لا أم لك، فلعل ذلك عن أمري). فانكسر الفضل، فلما جاء جعفر (حبيب الرشيد) دعا بالغداء فأكلا وتحادثا إلى أن كان آخر ما دار بينهما أن قال الرشيد: ما فعل يحيى بن عبد الله؟
قال جعفر: بحاله يا أمير المؤمنين في الحبس والأكبال.
قال الرشيد: بحياتي؟
فأحجم جعفر وهجس في نفسه أنه قد علم بشيء من أمره.
فقال: لا وحياتك يا سيدي، ولكن أطلقته وعلمت أنه لا حياة به ولا مكروه عنده. فقال الرشيد: نعمّا فعلت ما عدوت ما كان في نفسي فلما خرج اتبعه بصره ثم قال: قتلني الله بسيف الهدى على عمل الضلالة إن لم أقتلك فكان من أمره ما كان.
كانت هذه الحادثة سببًا للوشاية بالبرامكة في أخص صفات الوزراء وهي الإخلاص لملوكهم، وذلك طعن مؤثر... ووقر في نفس الرشيد شيء من ذلك أن البرامكة يؤثرون مصلحة العلويين على مصلحته، وهذه التهمة أشد من تهمة الزندقة عند المهدي وانفرط عقد الثقة بين الخليفة الرشيد والبرامكة وهم أحباؤه وخلصاؤه، فتحمست أمامه عيوبهم وجعلته يستريب فيهم لأدنى شبهة.
حتى كانت سنة 187هـ وفيها كان مهلك البرامكة على يدي الرشيد قتل جعفر بن يحيى بن خالد البرمكي بطريقة بشعة، ودمر ديارهم وذهب صغارهم وكبارهم.
ويبدو أن الرشيد قد ندم بعدها؛ فقد كان يقول: لعن الله من أغراني بالبرامكة، فما وجدت بعدهم لذة ولا رجاء، وددت والله أني شطرت نصف عمري وملكي، وأني تركتهم على حالهم.

وفاته رحمه الله
رأى رؤيا فيها موته وصدقها الواقع.. رأى كفًّا به تربة حمراء وقائل يقول: هذه تربة أمير المؤمنين، فلما سار يريد خراسان مَرّ بـ (طوس) فمرض بها، فقال لخادمه: ائتني بشيء من تربة هذه الأرض. فجاءه بتربة حمراء في يده، فلما رآها قال: والله هذه


الكف التي رأيت، والتربة التي كانت فيها! فأمر بحفر قبره في حياته، وأن تُقرأ فيه ختمة للقرآن تامة، وحُمِل حتى نظر إلى قبره فجعل يقول: إلى هنا تصير يا ابن آدم! وبكى، ثم قبض بعد ثلاث ليال.
                                                   الدولة العباسية فى عهد هارون الرشيد
                                                            تمثال لهارون الرشيد

0 التعليقات:

'; (function() { var dsq = document.createElement('script'); dsq.type = 'text/javascript'; dsq.async = true; dsq.src = '//' + disqus_shortname + '.disqus.com/embed.js'; (document.getElementsByTagName('head')[0] || document.getElementsByTagName('body')[0]).appendChild(dsq); })();